[ ص: 112 ] البحث العاشر  
في  الجمع بين الحقيقة والمجاز   
ذهب جمهور أهل العربية ، وجميع الحنفية ، وجمع من  المعتزلة   ، والمحققون من الشافعية ، إلى أنه لا يستعمل اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي ، حال كونهما مقصودين بالحكم ، بأن يراد كل واحد منهما .  
وأجاز ذلك بعض الشافعية ، وبعض  المعتزلة   ،   كالقاضي عبد الجبار   وأبي علي الجبائي  مطلقا ، إلا أن لا يمكن الجمع بينهما " كافعل " أمرا وتهديدا ، فإن الأمر طلب الفعل ، والتهديد يقتضي الترك فلا يجتمعان معا .  
وقال   الغزالي  وأبو الحسين     : إنه يصح استعماله فيهما عقلا لا لغة ، إلا في غير المفرد كالمثنى والمجموع ، فيصح استعماله فيهما لغة ، لتضمنه المتعدد ، كقولهم : " القلم أحد اللسانين " .  
ورجح هذا التفصيل  ابن الهمام  وهو قوي ; لأنه قد وجد المقتضى ، وفقد المانع ، فلا يمتنع عقلا إرادة غير المعنى الحقيقي ، مع المعنى الحقيقي بالمتعدد .  
واحتج المانعون مطلقا : بأن المعنى المجازي يستلزم ما يخالف المعنى الحقيقي ، وهو قرينة عدم إرادته ، فيستحيل اجتماعهما .  
وأجيب : بأن ذلك الاستلزام إنما هو عند عدم قصد التعميم ، أما معه فلا .  
واحتجوا ثانيا : بأنه كما يستحيل في الثوب الواحد أن يكون ملكا وعارية في وقت واحد ، كذلك يستحيل في اللفظ الواحد أن يكون حقيقة ومجازا .  
وأجيب : بأن الثوب ظرف حقيقي للملك والعارية ، واللفظ ليس بظرف حقيقي للمعنى .  
 [ ص: 113 ] والحق امتناع الجمع بينهما لتبادر المعنى الحقيقي من اللفظ ، من غير أن يشاركه غيره في التبادر عند الإطلاق ، وهذا بمجرده يمنع من إرادة غير الحقيقي بذلك اللفظ المفرد ، مع الحقيقي .  
ولا يقال : إن اللفظ يكون عند قصد الجمع بينهما مجازا لهما ; لأن المفروض أن كل واحد منهما متعلق الحكم لا مجموعهما ، ولا خلاف في جواز استعمال اللفظ في معنى مجازي ، يندرج تحته المعنى الحقيقي ، وهو الذي يسمونه عموم المجاز .  
واختلفوا هل يجوز استعمال اللفظ في معنييه ، أو معانيه المجازية ، فذهب المحققون إلى منعه وهو الحق ; لأن قرينة كل مجاز تنافي إرادة غيره من المجازات .  
وإلى هنا انتهى الكلام في المبادئ .  
				
						
						
