أبي يتهم أمي بالخيانة..فماذا نفعل لنوقفه عن أذيتها؟

2025-11-04 23:58:49 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني الكرام، أطلب منكم النصيحة بما يرضي الله ورسوله، في مشكلة عائلية معقدة أثقلت كاهلي.

نحن عائلة مقيمة في أوروبا منذ زمن طويل، أبي لا يعمل رغم أنه سليم جسديًا، بينما أمي تعمل في المستشفى بدوام جزئي، وهي في الخامسة والخمسين من عمرها، مكان عملها يبعد حوالي 900 متر عن المنزل، وأحيانًا يقودها أبي بسيارته، وأحيانًا تذهب بنفسها.

في أحد الأيام، أثناء إيصالها إلى العمل، اتهمها أبي بالخيانة وبدأ بالصراخ عليها دون سبب أو دليل، علماً أن أمي امرأة متدينة، وذات خلق، اكتفت بالاستغفار، وطلبت منه أن يتعوذ من الشيطان، لكنه استمر في إهانتها عند عودتها من العمل، واتهمها بأبشع الألفاظ.

اتصلت بي وهي تبكي، وكنت شاهدًا على الموقف، حتى أنها وضعت يدها على القرآن لتحلف أنه لا يوجد شيء مما يتهمها به، لكنه رفض أن يفعل مثلها؛ لأنه متكبر ويعلم في قرارة نفسه أنه يختلق هذه الاتهامات.

عندما واجهته، لم يقدم أي دليل ملموس، وكل كلامه كان من نسج خياله، أمي طلبت الانفصال لأنها لم تعد تحتمل الظلم، ورميها بالباطل.

حاولت تهدئة الأمور، وأقنعتها بالعودة مؤقتًا إلى البيت، بشرط أن يفصل بينهما في غرفتين ومراقبة الوضع، وقد وافق أبي على هذا الشرط، لكن للأسف، استمر في التصرف بمكر، واعتذر بطريقة غير صادقة فقط لإذلالها.

وصل به الأمر إلى الذهاب لمسؤولة أمي في العمل ليسأل عن دوامها، كما بدأ يراقب المنطقة التي يشك فيها، حتى أن سكان الحي استدعوا الشرطة بسبب تصرفاته الغريبة، إذ كان يراقب المكان كالمجنون!

ورغم أن براءتها أصبحت واضحة، إلا أنه استمر في افتعال المشاكل وإهانتها، يريد منها أن تعتذر له، ويقول لها: "أنتِ عاهرة، لكنني سأسامحك"، فقط ليذلها، وأنا أشهد أن أمي امرأة صالحة، ذات خلق ودين وصبر.

نصحته بالذهاب إلى المسجد القريب (يبعد 400 متر) ليهدأ، لكنه رفض، ثم اقترحت عليه السفر قليلًا لمراجعة نفسه، وتكفلت بتكاليف ذلك، فسافر بالفعل، لكن بعد عودته، عاد إلى سلوكه السابق: يزعج أمي بكلامه، ويذهب إلى مكان عملها لإحراجها!

أمي لم تعد تحتمل، ونحن جميعًا مرهقون من تصرفاته، ولا أريد أن أظلم أمي، فأنا أعلم أنني سأُحاسب على ذلك أمام الله.

أبي جدّ لأربعة أحفاد، لكنه ممثل بارع، حتى عندما سافر، اختلق قصصًا من خياله أمام أصدقائه، وتحدث عن أولاده بسوء، لا نعرف ماذا نفعل، فبعد مرور شهرين ما زال يتصرف بخبث.

ذهب اليوم إلى مديرة أمي في العمل، وطلب منها أن تعطيه خطة دوامها، وهذا ممنوع قانونًا، وقد تم منعه من دخول المكان، لكنه ما زال يشك في أمي، ويتصرف كأنه ممثل محترف.

ماذا تنصحوننا؟ ماذا أفعل؟ المشكلة تؤرقنا جميعًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك بداية الاهتمام بأمر الوالدة، نسأل الله أن يرزقك برّها، وأن يرزقك برّ الوالد، وأن يُعينه على الخير، وأن يرده للحق ردًّا جميلًا، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

دخول العقلاء من الأبناء في مثل هذه المشكلات له أثر كبير جدًّا، والذي نطالبك به أن تُطمئن الوالدة وتُبشّرها بالخير، تدعوها إلى الصبر، وتُبيّن لها أنها فوق التهم، وأنها صاحبة دين وصاحبة خلق، وأن هذا الوضع الاستثنائي، هذا الشكل الذي يُعتبر مرضًا يحتاج إلى علاج، هي فترة قد تحتاج إلى كثير من الصبر من أجل تجاوز هذه الصعاب، والحمد لله -مثل الوالدة الملتزمة الحريصة على الخير- سمعتُها أغلى وأعلى من مثل هذه الاتهامات، فعليها أن تُواجه الموضوع على أن هذه حالة مرضية تحتاج إلى صبر، وتحتاج إلى علاج.

والإنسان كما قلنا أدرى بنفسه من غيره، فإذا كانت -ولله الحمد- كما أشرت، فلا يضرّها ما يحصل من الوالد، وغدًا سيعرف الجميع أن الوالد هو الذي عنده إشكال، وأن هذه الشكوك تحتاج إلى علاج، فحاولوا إدخال العقلاء والدعاة من أجل أن يتكلموا مع الوالد، وكن دائمًا في مناصرة الوالدة ومساعدتها وتأييدها، واعلم أن الوالدة في مثل هذه الأحوال تحتاج إلى دعم معنوي، وتحتاج إلى تشجيع منكم، فإذا وجد التشجيع والدعم المعنوي والإحسان من أبنائها؛ فإن كل هذه الصعاب ستزول بإذن الله تبارك وتعالى.

ولذلك: نتمنى أن تستمر في هذا المجهود الرائع الذي تقوم به، كما أرجو أن تحسم الأمر مع الوالد، خاصة في موضوع الذهاب لطبيب نفسي مختص، أو راق شرعي كذلك من المهم، وأيضًا كنا نحب أن نُذكِّر الوالد ونذكّركم جميعًا بمراقبة الله، والمحافظة على الصلاة والصلاح، ويبدو أن الوالد يرفض هذه الأشياء، وهذا جزء من الإشكال، فاجعلوا همّكم هداية الوالد إلى الصلاة، وإلى الصلاح، وإلى حسن الظن.

والوالدة عليها ألَّا تُبالي بما يحدث، نحن نُقدّر صعوبة الموقف وصعوبة الإحراج الذي حدث، لكن لا أظن أنه يستطيع أن يفعل أكثر من الذي فعله، ونسأل الله أن يُعين الوالدة على تجاوز هذه الصعاب، واجعلوا همّكم هداية الوالد وعلاجه، وردّه إلى الحق والصواب.

ونُقدّر صعوبة الوضع، لكن نُذكّر أن البر عبادة، وأن الجنة مهرها غالٍ، وبشّر الوالدة بثواب عظيم عند الله -تبارك وتعالى- على صبرها، والصبر طريق إلى جنة الله تبارك وتعالى.

ينبغي أن تستمروا في وسائل العلاج الصحيحة، وتَسلكوا السبل التي توصلكم -إن شاء الله- إلى بلوغ العافية، ووضع النقاط على الحروف، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
_______________
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية، وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
________________
أرحب بك في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله تعالى العافية والشفاء للوالدين وللجميع.

أيها الفاضل الكريم: لقد وصفت تصرفات والدك وصفًا دقيقًا وواضحًا بالنسبة لي، وعلى ضوء ما ذكرته في رسالتك من وصف لأفكار والدك وتصرفاته حيال والدتك، أقول لك -أخي الكريم- وأنا على درجة عالية جدًا من اليقين: إن هذا الرجل -عافاه الله وشفاه- مريض، ومرضه واضح جدًّا، هذه تُسمى بـ (الغيرة المرضية)؛ حيث إن لديه ظناناً اضطهادياً ارتيابياً مهيمناً ومسيطراً، وهذا المرض معروف لدينا في الطب النفسي، وهو يأتي تحت الأمراض الذهانية، ولا بد أن يُعالج.

والدك حقيقة ليس الأمر بيده، يجب أن نُحتم على ذلك، وأنا لا أبحث له عن أعذار، لكن هذه الأفكار متسلطة عليه، وفارضة ذاتها عليه، وقناعاته بها قناعات مطلقة، والأمر لم يقتصر على مرحلة الفكر فقط، لكن أصبح يتصرف بناءً على أفكاره، فذهابه لمقابلة المسؤولة عن والدتك في مكان العمل؛ هذا دليل قطعي على وجود المرض، نعم ولا شك في ذلك.

فيا أيها الفاضل الكريم: دعنا لا نُضيع المزيد من الوقت، والدك يجب أن يُعرض ويُقابل الطبيب النفسي، والدك يجب أن يبدأ في تناول مضادات الذهان مباشرة، نعم، ونحن في مثل هذه الحالات نطالب بعلاجها بسرعة، وحين تأتينا حالة على هذه الشاكلة، نتخذ الإجراءات الصارمة جدًّا من أجل العلاج.

وأول العلاج الذي نقوم به هو: التفرقة الجغرافية؛ حيث لا نسمح أبدًا بأن يبقى الزوج المريض مع زوجته أو العكس؛ لأن هذا المرض أيضًا يوجد وسط النساء، لكنه بدرجة أقل، فلا بد أن يُتخذ إجراء، لا بد لوالدك أن يُذهب به إلى الطبيب؛ لأنه لن يذهب لوحده.

وفي كثير من الدول توجد قوانين للصحة النفسية تفرض العلاج، حتى وإن كان علاجًا قسريًا وضد رغبة الإنسان.

أنتم تعيشون في ألمانيا -هذا ممَّا يظهر من رسالتك- وإن شاء الله ستجدون طبيبًا عربيًا يتفهم الأمر، وأنا متأكد أن قانون الصحة النفسية الموجود في ألمانيا يتيح للقائمين على أمر الصحة النفسية بإدخاله إلى المستشفى، حتى وإن كان ذلك ضد رغبته.

نعم قد لا تكون الأمور سهلة في بعض الأحيان؛ لأنه يجب التأكد القاطع بأنه مريض، أنا أعتقد أنكم بمساعدة بعض أقربائه أو جار لكم أو إمام المسجد القريب منكم، أو كما ذكرت لك بواسطة الطبيب، أي طبيب عربي مسلم، يمكن أن يُحادثه ويحاوره ويُقنعه بالذهاب إلى العلاج.

وإذا لم يذهب بعد ذلك أنا أقول لك: من حقك أن تذهب إلى الشرطة، وأن توضح لهم الذي يحدث، وأنا متأكد أن الشرطة سوف تطلب منه أو سوف تأخذه إلى طبيب نفسي مقتدر ليُجري عليه الكشف والتقييم، ومن ثم إذا وصل الطبيب إلى مرحلة القناعة بأنه مريض سوف ينصح الشرطة بأنه لا بد أن يأخذ العلاج.

لا تتوانَ أبدًا في هذا الأمر؛ فهذه الحالات تستجيب للعلاج بنسبة ممتازة، وهي 70 إلى 80%، وعلى المدى البعيد إذا رفض تناول الحبوب المضادة للذهان، هنالك إبر فعالة جدًّا تُعطى في ظرف كل أسبوعين أو كل شهر، هنالك عدة أنواع من الإبر التي تُعالج مثل هذه الحالات.

فيا أخي الكريم، أريدك أن تُغيّر منهجك حياله، وانصح والدتك بأن هذا الأب مريض، ودعها تجتهد كثيرًا في ألَّا تتصرف تصرفات تُثير شكوكه، مثلًا حتى المرأة إذا تجمّلت أو وضعت عطرًا، أو أي شيء من هذا القبيل، فهذا من الأشياء التي تُثير هذا النوع من الظنان المرضي.

إن شاء الله تعالى من خلال حسن معاملته أو اتخاذ الطرق الأخرى؛ يمكن لهذا الرجل أن يرتبط بمرافق العلاج، وهذا أمر ضروري، وأنا أشكرك حقيقة على رسالتك هذه، وأرجو أن تتابع معي وتُطلعني على تطورات الموضوع، لكن يجب أن يُعالج.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net