الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مستعد للزواج من جميع النواحي، لكني أخشى الرفض

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبلغ من العمر 18 سنة، وأدرس في آخر مستوى من المرحلة الثانوية، والحمد لله عرفت الكثير من الأمور الدينية، ومن خلالها جاءتني الرغبة والإقبال على الزواج في سن مبكر، وأول خطوة في الطريق الشرعي هي الخطبة، لكن بعد التشاور مع أمي، حول التحدث مع ولي أمر الفتاة، أخبرتني أنه قد يقول إن الوقت لا يزال مبكرًا، وأنا -والحمد لله- قادر على هذا الأمر، نفسيًا، وجسديًا، وماديًا، لكنني خائف من ردة فعل ولي الأمر، والتي قد تؤثر على نفسيتي سلبًا، وبسبب التفكير في هذا الأمر، تأثرت حياتي بشكل كبير.

أرجو منكم الإجابة عن هذا السؤال، وإرشادي في هذا الأمر، بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن يبارك فيك، ويزيدك حرصًا على الخير، وأن يرزقك التوفيق والسداد في أمور دينك ودنياك.

إن رغبتك في الزواج المبكر أمر محمود في الإسلام، وهو من سنن الأنبياء والصالحين، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" [رواه البخاري ومسلم]، ومع ذلك، فإن اتخاذ هذه الخطوة يتطلب الحكمة والتخطيط السليم، خاصة في مثل عمرك، حيث قد تواجه بعض التحديات الاجتماعية أو النفسية.

والزواج في الإسلام ليس فقط وسيلة لإشباع الغرائز، بل هو عبادة وطريق لتحقيق السكينة والمودة والرحمة، كما قال الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" (سورة الروم: 21) لذا، فإن رغبتك في الزواج هي نية طيبة، ولكن يجب أن تكون مصحوبة بالتخطيط السليم، وإليك بعض النقاط والإرشادات التي قد تساعدك في التفكير، واتخاذ الخطوة، وتخفيف القلق لديك:

1. قبل كل شيء، عليك بكثرة الدعاء بأن يختار الله لك الخير، وأن ييسر لك الزواج من الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك، صلاة الاستخارة هي أول خطوة شرعية وعلاج للقلق؛ لأنها تفويض لله سبحانه وتعالى ليختار لك الأفضل.

2. اعلم أن الرزق -ومنه الزواج- بيد الله وحده، ولن يصيبك إلا ما كتبه الله لك، توكل على الله حق التوكل، واتخذ الأسباب، ثم ارضَ بالنتيجة.

3. فكرة أن ولي الأمر قد يرفض بداعي التبكير، هي فكرة واردة جدًا، ومُبررة من وجهة نظرهم، خاصة إذا لم تكن قد أنهيت المرحلة الثانوية بعد، أو لم تبدأ العمل بشكل مستقر، وهذا هو القلق المشترك لدى الآباء، لا تأخذ الرفض بشكل شخصي، أو أنه مخالفة دينية، فقد تكون هناك ظروف مادية، أو اجتماعية خاصة بهم، أو برؤيتهم لمستقبلك ومستقبل ابنتهم.

لذا عليك الاستعداد جيدًا للإجابة عن أسئلتهم المحتملة حول مستقبلك، بيِّن لهم بشكل واضح ومقنع كيف ستكمل دراستك بعد الزواج، وأهميتها لك، ما المصدر المادي الذي تعتمد عليه حاليًا، والذي سيوفر لك الاستقرار المبدئي: (مدخرات، عمل جزئي، دعم الوالدين في البداية مع وضع خطة للاستقلال)، أظهر لهم من خلال كلامك ثقتك بالنفس، وجديتك، ورغبتك في تحمل المسؤولية الشرعية، وأنك تدرك حجم هذا العقد.

4. بما أنك تشاورت مع والدتك، فاجعلها أو والدك الكريم -إن أمكن- هما من يتوليان بداية الحديث، فهذا أبلغ في إظهار الجدية والاحترام، يمكن لوالدتك أن تتحدث مع والدة الفتاة أولاً لجس النبض، وتوضيح رغبتك وسعيك للعفاف وقدرتك، ثم ينتقل الحديث إلى ولي الأمر.

5. يمكنك أن توضح أن الهدف الحالي هو الخطبة وربط العقد، مع إمكانية تأجيل الدخول لفترة زمنية محددة يتم الاتفاق عليها (كأن تكون بعد التخرج من الثانوية، أو بعد الانتهاء من جزء من الدراسة الجامعية أو التجهيز)، وهذا غالبًا ما يكون حلاً وسطًا يطمئن أولياء الأمور.

6. استعن بوالدتك، أو والدك، أو وسيط حكيم لبدء الحديث مع ولي الأمر، واشرح لهم خطتك المستقبلية.

7. توقع الرفض واقبله بهدوء وإيجابية إن حدث، وقل: "قدر الله وما شاء فعل"، وابحث عن غيرها، أو عنها في وقت آخر، لا تجعل هذا الأمر سببًا لليأس، أو التأثير السلبي الكبير على حياتك، فالحياة فيها الكثير من الخير والفرص التي تنتظرك، أسأل الله أن يفتح لك أبواب الخير، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تقر بها عينك، وأن يبارك لك في دراستك، ويسدد خطاك.

8. إذا قوبلت بالرفض، فاعلم أن هذا ليس نهاية الطريق، قال الله تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" (سورة البقرة: 216).

9. الخوف من رد الفعل طبيعي، ولكن لا تدعه يسيطر عليك، حاول أن تتحدث مع نفسك بإيجابية، وذكرها بأنك تقوم بخطوة مباركة.

10. استخدم تقنيات التنفس العميق والاسترخاء لتخفيف التوتر.

11. بدلًا من التفكير في الرفض، ركز على الجوانب الإيجابية، مثل استعدادك النفسي والمادي.

12. تحدث مع أصدقائك، أو أفراد عائلتك الذين يمكنهم دعمك وتشجيعك.

إن الإقدام على الخير لا يُقابل بالخوف واليأس، لو لم تقم بالخطوة خوفًا من الرفض، لكنت قد رفضت فرصة الزواج من الأساس، أسأل الله أن ييسر لك أمورك، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تكون قرة عين لك في الدنيا والآخرة، ولا تنسَ أن الزواج رزق من الله، وأنه يأتي في الوقت الذي يقدره الله بحكمته، استمر في الدعاء، وكن على يقين أن الله لن يضيعك.

وفقك الله لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً