السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكركم على هذا الموقع المتميز والرائع.
أود أن أسألكم كيف نقي أنفسنا من الفقر؟ علمًا بأني سأتزوج قريبًا، والحمد لله لدي شقة، وسيارة، ومن دون ديون، بحيث نعيش عيشة كريمة.
ولكم جزيل الشكر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكركم على هذا الموقع المتميز والرائع.
أود أن أسألكم كيف نقي أنفسنا من الفقر؟ علمًا بأني سأتزوج قريبًا، والحمد لله لدي شقة، وسيارة، ومن دون ديون، بحيث نعيش عيشة كريمة.
ولكم جزيل الشكر.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحباً بك -أيها الأخ الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
سؤالك لا شك أنه سؤال جوهري، يلامس عمق الهاجس الإنساني لدى أغلب الناس؛ لكونه يتعلق بأحد أهم الاحتياجات البشرية الأساسية، ويزداد هذا الهاجس في واقعنا المعاصر الذي ارتفع فيه سقف الاحتياجات، وطغت فيه النظرة المادية، وكثرت فيه الأزمات الاقتصادية، لذلك، يعيش كثير من الناس قلقاً مستمراً من الفقر وتوابعه النفسية، وتأثيره على طموحاته ومستقبله، أمام هذا الواقع نحتاج إلى وقفات تحيط بموضوع (الوقاية من الفقر) من الزوايا الأكثر أهمية، وقبل أن نستعرض أسباب الوقاية، لا بد أن نضع أسس ومنطلقات لفهم حقيقة الفقر أولاً.
بدايةً، الفقر قضية نسبية تتفاوت من شخص لآخر ومن حالة لأخرى، فامتلاك المال الكثير بحد ذاته لا يعني الغنى، تماماً كما أن عدم وجوده لا يعني الفقر بالضرورة، قد يمتلك الإنسان ثروة، لكنه يعيش في دائرة الفقر نفسيًا وظاهريًا، بسبب سوء التدبير، والتعامل مع هذا المال، من هنا ندرك أن العنصر الأهم للوقاية من الفقر، هو حسن إدارة المال بطريقة تحقق الاستقرار المالي والرضا النفسي.
وفي سبيل تحقيق ذلك، تحتاج إلى تطبيق مجموعة من الأمور:
الأمر الأول: الوعي والتأسيس المبكر للاستقلال المالي: فمن الضروري جداً أن يمتلك الإنسان وعياً مبكراً بواقعه المالي، وما هو مُقبل عليه من التزامات، يجب أن يبدأ بالتفكير الجاد في الأساليب التي تدعم بناء الفرص لتحقيق دخل مرتفع، أو مصادر دخل متعددة، فالشاب الذي يمتلك خطة مالية واضحة، سيبدأ بالسير عليها مبكراً، ويعمل على تطوير نفسه لتحقيق هذه الأهداف، أما الشاب الذي يقضي وقته في الإنفاق العشوائي دون استشعار للمسؤولية، فسيصطدم حتماً بواقع لم يستعد له، وستكون فرصه في النجاح أقل بلا شك.
الأمر الثاني: فن إدارة المال (التدبير): وهو حسن إدارة المال، ولو كان قليلاً، يتحقق هذا بالوعي الكامل بالمسؤولية، وعدم الانجرار وراء العادات الاجتماعية السلبية، أو ثقافة التبذير والإنفاق السلبي، أو الاستهلاك المَرَضي، فقد جاء عند الطبراني في الأوسط حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما عالَ من اقتصدَ، وما خابَ من استخارَ، وما ندمَ من استشارَ)، فمن أهم أسباب دفع الفقر حسن تدبير المال، وعدم الانجرار وراء الكماليات.
وتتم إدارة المال كخطوة أولى بوضع خطة تقوم على معرفة الميزانية الشهرية بدقة، ثم الخطوة التالية هي تقسيم هذه الميزانية وفقاً للأولويات، وبدلاً من التقسيم التقليدي (احتياجات – ضرورات – تحسينات)، يمكن استخدام قاعدة عملية أثبتت نجاحها، وهي قاعدة (50%- 30%- 20%) وهي كالتالي:
- 50% للاحتياجات الأساسية (الضروريات)، وهي الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها، وعدم وجودها يُدخل الإنسان في حرج وضيق، مثل: أساسيات المأكل والمشرب، والفواتير، والسكن، والمواصلات الأساسية، وبما أنك تملك شقة، فهذه النسبة ستكون أقل لديك، وهو أمر رائع يمنحك أفضلية.
- 30% للرغبات (التحسينات والكماليات)، وهي الأمور التي تصب في جانب الترفيه وجودة الحياة، ولكن يمكن تأخيرها، أو استبدالها، أو الاستغناء عنها دون ضرر أساسي، مثل: المطاعم، السفر، الترفيه، الملابس غير الأساسية.
- 20% للأهداف المالية (المستقبل)، هذا هو المفتاح لبناء الثروة والوقاية من الفقر -بإذن الله تعالى-، فهذا الجزء يذهب مباشرة إلى ادخار الطوارئ، سداد الديون -إن وجدت-، والاستثمار والتنمية.
الأمر الثالث: القواعد الذهبية للأمان المالي:
اجتهد في تحقيق هذه القواعد الثلاث كدرع واقٍ -بإذن الله تعالى-:
القاعدة الأولى: بناء صندوق الطوارئ، هذا هو أهم إجراء وقائي على الإطلاق، وهو مبلغ مالي مدّخر، يغطي مصاريفكم الأساسية (طعام، فواتير، وقود) لمدة 3 إلى 6 أشهر، أو أكثر، والهدف منه حمايتكم من أي صدمة مالية مفاجئة، لذلك اجعلوه الأولوية القصوى لأي ادخار ضمن بند الـ 20%.
القاعدة الثانية: تجنب الديون الاستهلاكية، في مثل حالتك، أنت بدأت من صفر ديون، فحافظ على هذه النعمة العظيمة.
والهدف من هذه القاعدة منع الفقر المؤجل -بإذن الله-، ويمكن تحقيق ذلك من خلال عدم شراء أي شيء استهلاكي (ملابس فاخرة، أجهزة غير ضرورية، سفر) بالدين، أو الأقساط التي لا تستطيعون سدادها فوراً، واجتهد في تحقيق شعار عند التفكير في شراء أي شيء، "إذا كنت لا أملك ثمنه نقداً، فأنا لا أحتاجه الآن"، وأيضًا مقولة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (أو كلما اشتهيت اشتريت).
القاعدة الثالثة: تعدد مصادر الدخل، الادخار يحمي، لكن تنمية الدخل تبني المستقبل -بإذن الله-، والهدف من تعدد مصادر الدخل هو زيادة الإيرادات المالية، وعدم الاعتماد على مصدر واحد -راتب واحد مثلاً- فهذا بحد ذاته مخاطرة عالية، وقد يكون قيداً يمنعك من أي تطور أو مرونة في مستقبلك، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير المهارات للحصول على فرص متنوعة، أو إيجاد مصدر دخل إضافي (حتى عبر الإنترنت بأعمال لا تتطلب جهداً بدنياً كبيراً)، أو إذا دعت الحاجة واتفق الطرفان، يمكن أن تشارك الزوجة بدخلها لدعم الأسرة.
أخي الكريم: الإسلام لا يمنعك من التخطيط للحياة والمستقبل، وليس هذا من طول الأمل المذموم، أو سوء الظن بالله، إنما ينهاك الإسلام عن الخوف والهمّ من المستقبل، وبينهما فرق كبير، فخوف المستقبل وحمل همّه فيه نوع من عدم الثقة بالله وسوء الظن به، كما أن المستقبل غيبٌ وهو بيد الله يقلبه كيف يشاء، فلا بد أن يُحسن الإنسان الظن بربه، ويكون واثقاً أن الله لن يخذله، أو يضيّع رزقه المقسوم له، وفي نفس الوقت، من تمام الأخذ بالأسباب أن يسعى ويجتهد في كل ما يدفع عنه الفقر، من الاكتساب والعمل والتخطيط للنوازل والمتغيرات، هذا هو حسن التوكل، والعمل بالأسباب التي هي من قدر الله تعالى أصلا .
أخي الفاضل: من أعظم ما يقي من الفقر هو الحرص على تحقيق البركة في المال ولو كان قليلاً، فانتزاع البركة يمحق الكثير، ويضيّق الواسع، ويفسد كل شيء، ولا تتحقق بركة المال إلا بتزكية النفس وتهذيبها من الشح والبخل، ليوقن المسلم في قرارة قلبه أن المال ينبغي أن يكون مطية للآخرة ولطاعة الله، وأن يكون المال في يد المسلم، يتحكم به فيما يرضي الله، لا في قلبه يتحكم فيه.
واعلم -وفقك الله- أن من أعظم ما يحقق البركة في الرزق أمور:
- أولاً: الكسب الحلال: أن يكسب المسلم المال من حِلّه وينفقه في حِلّه، فالكسب الحرام مَحقٌ للبركة وفساد لدنيا الإنسان وآخرته.
- ثانيًا: الصدقة وصلة الرحم: من أعظم ما يزيد البركة أن يكون في مالك حق معلوم للسائل والمحروم والمحتاج، اجعله أساساً لا تحيد عنه؛ ليبارك الله لك فيه.
- ثالثًا: كثرة الاستغفار والذكر: تجد بركة الاستغفار عظيمة في المال، فلا تنفق إلا ما ينفعك في دنياك وآخرتك، لتجد أثر ذلك بركة ورضا وسعادة، قال تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارً).
- رابعًا: الشكر الدائم: الشكر لله تعالى باللسان وبالحال، فكل مال تكسبه هو من الله وبحوله وقوته، فكن شكوراً حريصاً على أن يكون هذا المال باباً لطاعة الله ومرضاته، لا سبباً في معصيته، فقد جاء في الحديث: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟).
- خامسًا: الدعاء: الإكثار من الدعاء والتضرع لله تعالى أن يبارك لك في مالك، وأن ينفعك به، وأن يعينك على تنميته من أبواب الحلال الطيب، ويعينك على شُحّ نفسك، فقد جاء في الحديث: (نِعمَ المالُ الصَّالحُ للرَّجلِ الصَّالحِ).
أخيراً: -أخي الكريم- هذه الأمور مجتمعة هي -بإذن الله تعالى- من أهم ما يقي من الفقر، فإن اجتهد المسلم في تحقيقها، ثم وجد نفسه فقيراً، فهو نوع من البلاء والتقدير والتدبير الذي يريده الله تعالى لحكمة ولغاية هو يعلمها، فالله قسم الأرزاق، وعلى المسلم أن يجتهد في طلب الرزق الحلال، ولا يعجز في دفع الفقر، فإن ابتلي صبر وشكر ورضي، قال تعالى: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).
فاجتهد في تحقيق ما ذكرنا في حياتك، فهي من الأسباب المأمور بها شرعاً، وستجد ثمرتها بركة في مالك وسعادة في حياتك -بإذن الله تعالى-.
وفقك الله ويسر أمرك.