الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرتبك عند الحديث مع الناس ولذلك أبقى صامتة، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شكرًا لكم على هذا الموقع الجميل، وعلى مساعدتكم.

أنا فتاة عمري 25 عامًا، لدي الكثير من المشاكل الصحية والنفسية.

منذ ولادتي، كانت لدي كتلة سحائية في العمود الفقري، وعندما بلغت الثامنة من عمري، أجريت عملية لتحرير النخاع الشوكي من هذه الكتلة، ولكن بعد العملية ظهرت لدي مشكلة في القدم، فأصبحت أعرج، كما أنني أعاني من مشكلة في التبول منذ ما قبل العملية، وما زلت حتى الآن أعاني من التبول اللاإرادي.

أجريت عملية جراحية للقدم، لكنها لم تنجح بسبب تضرر العصب، وكنت قد اشتريت جبيرة قبل العملية عن طريق الطبيب لتعديل وضع القدم، لكن الجبيرة سببت لي جرحًا كبيرًا وعميقًا في طرف مشط القدم، والآن الحمد لله بدأ الجرح يلتئم بعد انتظار دام عشر سنوات.

لقد سببت لي هذه الظروف مشاكل نفسية، فأنا أعيش في عزلة داخل المنزل منذ أكثر من عشر سنوات، لا أستمتع بالحياة، ولا أعيش كما يعيش الناس.

أشعر بتعب شديد، ولا أجد السعادة داخل أسرتي، فهناك الكثير من المشاكل، ولا أحد يهتم بي، ولا يُعطيني أحد مصروفًا.

أفكر دائمًا كيف أشتري مواد التعقيم لعلاج جرحي، وكيف أشتري الشاش المعقم، وأفكر من أين أُوفّر المال لشراء الحفاضات كي لا أبلل نفسي في الليل.

منذ طفولتي، أعاني من علاقة صعبة مع والدي، فقد كنت أخاف منه، وإذا تحدثت، يسكتني ولا يسمح لي بالتعبير عن رأيي.

لدي مشكلة في الحديث أمام الناس، إذ أشعر بالارتجاف والتوتر، ويشتد جسدي، وأحيانًا أتبول على نفسي من شدة الخوف.

أعتذر عن الإطالة، لكنني لا أعرف ماذا أفعل، فعقلي لا يتوقف عن التفكير، وأعاني من مشاكل نفسية وخوف من كل شيء، أشعر في قلبي بشعور غريب.

بدأت أفكر في الزواج، لكنني أعرف وضعي، وأقول لنفسي: كيف سأتزوج وأنا أعاني من هذه المشاكل، ومشكلة التبول هي أكبرها؟ أنا شديدة الخجل، وأفكر كيف يمكنني الزواج وأنا أخاف، ربما بسبب حياتي مع أسرتي، أنا أحب الأطفال جدًا، لكنني أخاف من العلاقة الحميمية.

أعتذر عن صراحتي، لكنني تعبت حقًا من هذه الأفكار.

أقول أحيانًا: لم أعد أرغب في الزواج، سأهتم بنفسي، ثم أعود وأفكر وأخاف، وأتخيل أنه إذا تقدم أحد لخطبتي، كيف سأخبره أن لدي هذه المشاكل الصحية والنفسية؟ كيف سيقبل بي؟ كيف سأعيش معه وأنا خائفة ومتوتّرة وخجولة من العلاقة؛ لأنني عندما أخاف وأتوتر، أتبول على نفسي.

هذه أفكاري، وهناك الكثير غيرها، عندما أنام لا يتوقف عقلي، وأرى أحلامًا سيئة، وفي الواقع عندما أجلس مع مجموعة من الأشخاص أبقى صامتة، وإذا تحدثت، أشعر بالتوتر والارتباك، وأخاف أن أتبول على نفسي، وأشعر أن الجميع ينظر إليّ، فأفضّل الصمت، وعندما يقترب أحد مني، أشعر بالخوف والتوتر والارتجاف.

أرجو المساعدة، وشكرًا لكم، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريان .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في استشارات إسلام ويب، وأشكرك على ثقتك في هذا الموقع.

حقيقة، أنا قرأت رسالتك بتمعُّن وتدبُّر، وأنا -أيتها الفاضلة الكريمة- أتعاطف معك كثيرًا، وإن كنتِ لستِ بالضعيفة أبدًا، ثقي أنك لست ضعيفة أبدًا، لكن بالفعل معاناتك مع موضوع جراحة العمود الفقري وما نتج عنها، خاصةً عدم التحكم في البول، نعم هذه علة معروفة، ونعلم أن هذه الجراحات كثيرًا قد تؤدي إلى إشكالات، لكن بالصبر والتجلد والتعايش والتواؤم مع هذا الوضع -إن شاء الله- يُكتب لك الأجر العظيم.

وقطعًا، أنت تخطيت مراحل كثيرة، فيما يتعلق بالصعوبات النفسية المتعلقة بمثل هذه الحالات، فأنت -والحمد لله- تبلغين من العمر ما يؤهلك لقبول الواقع، ولتسيير حياتك وحاجياتك حسب وضعك الصحي.

نعم، الحمد لله تعالى، الآن الطرق الطبية والوسائل العلاجية قد كثرت، وأنا متأكد أن الطب يمكن أن يساعدك كثيرًا، خاصةً في موضوع البول، أو ما يمكن أن نسمّيه (بالسلس البولي)، حاولي أن تتواصلي مع التخصُّصات الطبية التي تناسب حالتك، وأنا متأكد أنك سوف تجدين الكثير من المساعدة منهم.

أنت ذكرت أنه لا يوجد لديك مال، نقول لك: الحمد لله، إن شاء الله باب الأرزاق مفتوح، وأرجو ألا تشعري بالأسى والنقص أبدًا، عيشي قوة "الآن"، وعيشي بعزيمة، وعيشي بإصرار، وسوف تتخطين كل هذه المشاعر السلبية: مشاعر القلق والتوتر والوسوسة، وكذلك عُسر المزاج.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أريدك أن تنضمي لجمعية خيرية، أو لجمعية من جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة، ليس لأن تقبلي منهم المساعدة، لكن لتساعديهم أنت؛ فإن شاء الله تعالى أنت أقدر من الكثير منهم، وأنا متأكد أنك ستجدين ذاتك في هذا الأمر.

لابد أن تتحركي في هذا الاتجاه؛ فالتجارب أثبتت أن مَن في مثل حالتك يمكن أن يُعوّضوا الكثير مما فاتهم، أو ما افتقدوه، أو ما ينقصهم، ويستبدلوا مشاعرهم السلبية ويجعلوها مشاعر إيجابية.

طبعًا، لا تنسي موضوع الدراسة، حتى وإن كانت دراسة منزلية أو دراسة عن بُعد، لماذا لا يكون لديك مثلًا: مشروع لحفظ القرآن أو أجزاء من القرآن الكريم؟ لابد أن تصرفي نفسك عن التفكير السلبي، وتستفيدي من وقتك ومقدراتك الموجودة، وكما ورد في الحديث: "اغْتَنِمْ ‌خَمْسًا ‌قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ".

بالنسبة للزواج، من حقك -أيتها الفاضلة- أن تفكري فيه، مثلك مثل أي فتاة، نعم هنالك بعض الإشكالات في حالتك، لكن لا أعتقد أنها تصل للمرحلة التي تمنعك من الزواج.

سيكون أيضًا من الجميل جدًّا أن تُنظمي وقتك بصورة جيدة، تجنبي السهر، هذا مهمٌّ جدًّا، فالنوم الليلي يُفيد الخلايا الدماغية وكذلك الخلايا الجسدية.

كوني شخصًا فاعلًا في أسرتك، لابد أن تأخذي مبادرات، شاركي بكل الأعمال المنزلية، شاركي بأفكارك، هذا يعود عليك -إن شاء الله- بمردود إيجابي كبير.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنا سأصف لك دواء بسيطًا جدًّا، إن -شاء الله- يساعد في تحسين مزاجك، وفي ذات الوقت يساعدك لتتخطين مشاعر القلق والخوف.

الدواء يُعرف باسم (سيرترالين - Sertraline)، أريدك أن تتناوليه بجرعة نصف حبة، الحبة تحتوي على (50 ملغ)، إذًا تناولي (25 ملغ) يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها حبة واحدة (أي 50 ملغ) يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم اجعليها نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناوله.

هو دواء ممتاز ورائع ونقي، ولا يُؤثِّر على الهرمونات النسائية أبدًا، وليس بالإدماني.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً