الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل سأتناول الدواء طيلة عمري، بسبب المخاوف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من خوف شديد من مواجهة الناس في أبسط المواقف، حتى في المطالبة بحق من حقوقي؛ حيث أشعر بضيق شديد، وتلعثم في الكلام، وانعدام الطاقة، وكأنني لا أستطيع الوقوف، يرافق ذلك تفكير زائد، ووساوس تستمر لفترة بعد كل موقف بسيط، بالإضافة إلى ضعف شديد في الثقة بالنفس، رغم أنني أحمل شهادة جامعية مرموقة، وأعمل في مكان راقٍ.

كنت أعاني من هذه الأعراض منذ الطفولة، وكنت أظن أنها مجرد خجل طبيعي، لكن بعد بدء العمل، ازدادت الأعراض بشكل ملحوظ، فذهبت إلى طبيب نفسي، وتم تشخيصي بـ"اضطراب القلق الاجتماعي"، وصف لي الطبيب دواء "سيروكسات ٢٠" بالتدريج، واستمررت على جرعة يومية مقدارها ٤٠ ملغ (حبتين) لمدة سنتين تقريبًا.

كانت الاستجابة ممتازة جدًا، و-الحمد لله-، وعشت أجمل سنوات حياتي خلال تلك الفترة، وبعد التوقف عن الدواء تدريجيًا وبإشراف الطبيب، ظهرت أعراض انسحابية لفترة، ثم عادت الأعراض القديمة للظهور مجددًا، وما زالت مستمرة حتى الآن.

أرغب في التأقلم مع نفسي ومع المرض، لكن تأثيره شديد على عملي وحياتي، بيئة المنزل محافظة، وأشعر أن أهلي أيضًا لديهم شيء من الخوف والخجل؛ مما يزيد الأمر صعوبة.

هل يوجد حل؟ وهل سأضطر للاستمرار على الدواء مدى الحياة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Samer حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ابننا الفاضل في موقع إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية والصحة والتفكير والسداد.

أخي: أعتقد بالفعل أنه لديك درجة بسيطة إلى متوسطة ممَّا يُعرف باضطراب القلق، أو الرهاب الاجتماعي، وهذا طبعًا يجعلك تشعر بالخوف والضيق، وتتنازل عن حقوقك، ولا تستطيع المواجهات، وتشعر بالتلعثم في الكلام، وأنك استهلكت طاقاتك، وأنك لا تستطيع أن تواجه.

أخي الكريم: هنالك مبالغة في مشاعرك، هذه المشاعر -خاصةً الأعراض الجسدية كالتلعثم في الكلام- هي ليست بالشدة، وليست بالسوء الذي تتصوره، هذا أمرٌ مهم جدًّا أريدك أن تدركه، والأمر الآخر هو: أن الناس لا تراقبك، هذه حقيقة، لا أحد يشعر بأنك تتلعثم، ولا أحد يشعر بأنك متضايق، ولا أحد يشعر بخفقان قلبك مثلًا، ولا أحد يشعر بتعرّقك، ولا أحد يشعر بارتعاشك، ولا أحد يشعر أبدًا باحمرار وجهك، هذا أمر ضروري جدًّا.

لابد أن تجعل لنفسك برامج للمواجهات الاجتماعية الإيجابية، وأفضل البرامج هي طبعًا البرامج الجماعية، مثلًا: الصلاة مع الجماعة في المسجد، خاصةً في الصف الأول، هي نوع من التعريض المثالي جدًّا، التعريض الذي يجعلك تحس بالأمان والاطمئنان، فأرجو أن تحرص على ذلك، ولا بد أن تحرص أيضًا على ممارسة الرياضة الجماعية؛ كرياضة كرة القدم مثلًا، كرة القدم فيها استجابات اجتماعية ممتازة جدًّا، وتفاعل اجتماعي على الطراز الأول، فاحرص عليها.

أيضاً من المهم أن تحرص على القيام بالواجبات الاجتماعية، تشارك الناس في أفراحهم، وفي أحزانهم، وفي مناسباتهم، وتصل رحمك، ويكون لك مجموعة جيدة من الأصدقاء، تخرجون مثلًا في رحلات سياحية من وقت لآخر، جلسات طيبة، هذه -يا أخي- كلها تجعلك -إن شاء الله تعالى- على أفضل ما يكون من حيث القدرة على المواجهة.

وأريدك (أخي) أيضًا أن تطور آليات التخاطب لديك، خاصةً تعابير الوجه، هذه يجب أن تركز عليها كثيرًا، وعلمنا ديننا أن (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، ويجب أن تجعل نبرة صوتك متوازنة، ولغة جسدك أيضًا متوائمة ومنضبطة، خاصةً حركة اليدين، هذه المهارات مهمة جدًّا لتعلمها، وأنصحك أن تقوم بتسجيل بعض المخاطبات على الفيديو، (كاميرا الهاتف)، وتصور نفسك أنك تخاطب مجموعة من الناس لمدة خمس دقائق مثلًا، واحرص على تعابير وجهك، ولغة جسدك، ونبرة صوتك، وبعد أن تنتهي من هذا التسجيل قم بمشاهدته والاستماع إليه، سوف تجد أن أداءك أفضل مما كنت تتصور، هذه تمارين جيدة وممتازة جدًّا، وتمارين الاسترخاء أيضًا ننصح بها الناس في مثل حالتك، توجد برامج كثيرة توضح كيفية ممارسة تمارين الاسترخاء.

بالنسبة للدواء؛ تتناول دواء آخر، وهو (سيرترالين - Sertraline)، (سيروكسات - Seroxat) دواء رائع وممتاز، لكن أعراضه الانسحابية شديدة، السيرترالين، والذي يسمى (زولفت - Zoloft)، أو (لوسترال - Lustral)، ربما تجده في بلادكم تحت مسمى تجاري آخر، أريدك أن تبدأ بجرعة نصف حبة (أي 25 ملغ من الحبة التي تحتوي على 50 ملغ)، تناولها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة يوميًا (50 ملغ) لمدة شهر، ثم اجعلها (100 ملغ، أي حبتين) يوميًا، وهذه جرعة وسطية ممتازة، استمر عليها لمدة شهرين، ثم خفضها إلى حبة واحدة (50 ملغ) يوميًا، لمدة شهرين أيضًا، ثم اجعلها نصف حبة (25 ملغ) يوميًا، لمدة عشرة أيام، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم، لمدة عشرة أيام، ثم توقف عن تناول الدواء.

طبعًا خلال تناول العلاج لا بد أن تُكثِّف من الآليات السلوكية والاجتماعية التي حدثتك عنها، وبعد أن تتوقف عن الدواء ستجد أنك لن تحتاج للدواء، وأنك قد تجاوزت تمامًا كل مصادر خوفك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً