الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أوازن بين دراسة الطب، ودراسة العلوم الشرعية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أولًا، أحب أن أشكركم على هذا الموقع المفيد، وأسأل الله العظيم أن يكون في ميزان حسناتكم.

أنا طالبة من غزة، وأنهيت المرحلة الثانوية بعد أن امتدت سنتين بسبب الحرب، و-الحمد لله- تخرجت بمعدل عالٍ، وسؤالي هو عن التخصص الجامعي، فأنا -والحمد لله- أحاول دائمًا تقديم ديني على دنياي، وكنت أرى أن قرار المرأة في بيتها خيرٌ، وأن أفضل مهنة لها هي تربية الأجيال، ولكن مع اشتداد الحرب واحتياج المجتمع إلى الأطباء، وبعضهم استشهدوا، شعرتُ بالحاجة الملحة للنساء الطبيبات المسلمات، لا سيما للكشف على النساء، فازدادت رغبتي بشدة في دراسة الطب، مع علمي بأن التخصص صعب، ويحتاج إلى وقت طويل، وسيكون متعبًا جدًّا، خصوصًا بعد الزواج وإنجاب الأطفال.

مع ذلك، أرغب في مساعدة المسلمين، خاصة في مثل هذه الظروف، ونحن في بلاد محتلة، ولكن في نفس الوقت، أشعر بخوف من تأثير دراسة الطب على معرفتي بالعلوم الشرعية الواجبة على كل مسلمة، وعلى رغبتي في حفظ القرآن، وأخشى أن يؤثر ذلك على عباداتي، كما أني أخاف من العمل في بيئة مختلطة، مع أني محافظة على الحدود مع الجنس الآخر، ولا أتحدث إلَّا للضرورة.

دراستي ستكون في جامعة إسلامية غير مختلطة، لكنني أتساءل: كيف أتعامل مع الأساتذة؟ وكيف أوفق بين دراستي وحبي لتعلُّم شرع الله؟ وكذلك أريد نصيحة حول كيفية العمل في بيئة مختلطة، مع أنني أنوي -إن شاء الله- التخصص في مجالات مثل نساء وتوليد أو طب الأطفال.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دانية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختي الكريمة، جزاك الله خيرًا على حرصكِ على دينكِ ورغبتكِ في خدمة أمتكِ، وأسأل الله أن يوفقكِ في كل خطوة تخطينها، وأن يجعل عملكِ خالصًا لوجهه الكريم.

أولًا: أهنئك على اجتيازك المرحلة الثانوية بمعدل عالٍ، رغم الظروف الصعبة التي مررتم بها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عزيمتك وإصرارك، وهما من أعظم نعم الله على الإنسان، كما أن تفكيرك العميق في اختيار التخصص الذي يوازن بين خدمة دينك ودنياك، يعكس نضجًا كبيرًا ووعيًا بمسؤولياتك كمسلمة.

ثانيًا: في الإسلام طلب العلم عبادة عظيمة، إذا اقترنت بالنية الصالحة، قال النبي ﷺ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» (رواه مسلم) والعلم الذي تسعين إليه، سواء كان علمًا شرعيًا أو علمًا دنيويًا نافعًا، يمكن أن يكون وسيلة عظيمة للتقرب إلى الله، إذا كان هدفك منه خدمة الأمة وإعانة المحتاجين.

ثالثًا: الطب من العلوم المهمة التي ينبغي للناس تعلمه، لما فيه من نفع للناس، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب" وفي ظل الظروف التي تعيشها غزة، حيث الحاجة ماسة إلى أطباء مسلمين ومسلمات، فإن تخصصك في الطب يمكن أن يكون من أعظم القربات إلى الله، خاصة إذا نويت به رفع المعاناة عن المسلمين، وخدمة النساء المسلمات في بيئة تحفظ لهن كرامتهنَّ وعفتهنَّ.

رابعًا: يقولون في الأمثال: "التدبير نصف المعيشة"، ومن التدبير أن توازني بين دراستك للطب، واهتمامك بالعلوم الشرعية، وحفظ القرآن، فلا تعارُض بين الأمرين إذا أحسنت التخطيط والتنظيم.

خطوات عملية للتوازن:
1. خصصي وقتًا يوميًا أو أسبوعيًا ثابتًا للعلوم الشرعية وحفظ القرآن، حتى لو كان قليلًا، القليل المستمر خير من الكثير المنقطع.
2. اجعلي نيتك في دراسة الطب عبادة، وذكّري نفسك دائمًا بأنك تسعين لخدمة أمتك وإرضاء الله.
3. استخدمي التطبيقات والبرامج التي تساعدك على حفظ القرآن، ومتابعة الدروس الشرعية أثناء أوقات الفراغ.
4. احرصي على مرافقة زميلات ملتزمات في الجامعة، فهذا يعينك على الثبات.
5. استشيري أهل العلم والدعاة في كل ما يشكل عليك، واطلبي نصائحهم في كيفية الموازنة بين دراستك وعبادتك.

خامسًا: بخصوص الاختلاط، فمن الطبيعي أن تشعري بالقلق من العمل في بيئة مختلطة، ولكن الإسلام وضع لنا ضوابط واضحة، للتعامل مع الجنس الآخر، يقول الله تعالى: {قُل للْمُؤْمنينَ يَغُضُّوا منْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} (النور: 30).

سادسًا: نصائح للتعامل في بيئة مختلطة:
1. التزمي بالحجاب الشرعي، وكوني قدوة في لباسك وسلوكك.
2. اجعلي تعاملك مع الرجال في حدود الضرورة فقط، وبأسلوب رسمي.
3. ذكّري نفسك دائمًا بأنك في مكان العمل لخدمة الناس وإرضاء الله.
4. العمل في تخصصات نسائية كما ذكرت، تخصصك في طب النساء أو الأطفال، سيقلل من التعامل مع الرجال.
5. أكثري من الدعاء أن يثبتك الله ويحفظك من الفتن.

أختي الكريمة: لا تنسي أن تستشيري أهل العلم، ومن تثقين فيهم في كل خطوة، وأن تستخيري الله دائمًا، ونسأل الله أن يوفقك في اختيارك، وأن يجعل دراستك للطب وسيلة لخدمة دينك وأمتك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يجعلك منارة للخير، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً