الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال عن العلم في السنة النبوية

السؤال عن العلم في السنة النبوية

السؤال عن العلم في السنة النبوية
السؤال من أهم وسائل تحصيل العلم وتكميل المعرفة، ولذلك كان فرضا على الجاهل أن يسأل من يعلم، وأن يرجع إلى أهل العلم سائلا مسترشدا، فيكون السؤال عن العلم بمهمات الدين علامة على الخير والصلاح، وعدم السؤال والاسترشاد علامة على ضعف الاهتمام وقلة الوعي.

فالسؤال حاجة شرعية، وضرورة علمية، وإلا وقع الإنسان في دائرة الجهل القاتلة، ففي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: «قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر» أو «يعصب» شك موسى - «على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده».

ومن خلال هذا الموقف الذي حصل يتبين أهمية السؤال عن أحكام الشرع، وخطورة الإقدام على الأمور الشرعية دون علم ولا بصيرة، فعدم السؤال حال الجهل قد يقتل نفسا بريئة، وقد يحل فرجا حراما، وقد يضر بمصالح أمة، كما أن السؤال والاستبصار ينقذ الأفراد والمجتمعات من غوائل الجهل ومهالك الانحراف.

وقد كانوا يرون أن من علامة صلاحية القاضي في منصبه كثرة سؤاله عن العلم، فإن لم يفعل ذلك كان عرضة للخطأ، ففي صحيح البخاري: قال مزاحم بن زفر: قال لنا عمر بن عبد العزيز: " خمس إذا أخطأ القاضي منهن خصلة، كانت فيه وصمة: أن يكون فهِما، حليما، عفيفا، صليبا، عالما، سئولا عن العلم ". وفي الآثار عن سليمان بن يسار، قال: حسن السؤال نصف العلم.

وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة عن مغيرة قال: قيل لابن عباس كيف أصبت هذا العلم؟ قال: «بلسان سؤول، وقلب عقول».

وفي تاريخ دمشق عن الأصمعي قال: قيل لدغفل النسابة: بم أدركت ما أدركت من العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول، وكنت إذا لقيت عالما أخذت منه وأعطيته.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفتح لهم باب السؤال ليعلمهم مهمات الدين، فإن لم يسألوا جاء من يسأل ليحصل العلم بأفضل الأساليب النافعة، كما في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوني» ، فهابوه أن يسألوه، فجاء رجل، فجلس عند ركبتيه، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: «لا تشرك بالله شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان» ، قال: صدقت، قال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله« ، قال: صدقت، قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟ قال: «أن تخشى الله كأنك تراه، فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك» ، قال: صدقت. قال: يا رسول الله، متى تقوم الساعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأحدثك عن أشراطها: إذا رأيت المرأة تلد ربها، فذاك من أشراطها، وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض، فذاك من أشراطها، وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان، فذاك من أشراطها في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله »، ثم قرأ: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} [لقمان: 34] قال: ثم قام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ردوه علي»، فالتمس، فلم يجدوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل، أراد أن تَعَلَّموا إذ لم تسألوا».
فكان تعليمهم لهذه القضايا العظيمة بأسلوب السؤال لما فيه من جذب انتباه السامع وتشوف نفسه للجواب، وانتقاله في فهم المسائل من مسألة إلى أخرى بسؤال يلفت انتباهه وتركيزه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعجبه كثرة السؤال، والسؤال عما لا ينفع، وربما غضب من ذلك، من أجل أن يوجههم إلى السؤال النافع، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج حين زاغت الشمس، فصلى لهم صلاة الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن قبلها أمورا عظاما، ثم قال: «من أحب أن يسألني عن شيء فليسألني عنه، فوالله لا تسألونني عن شيء إلا أخبرتكم به، ما دمت في مقامي هذا» قال أنس بن مالك: فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: «سلوني» فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي؟ يا رسول الله قال: «أبوك حذافة» فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول: «سلوني» برك عمر فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوْلَى، والذي نفس محمد بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا، في عُرض هذا الحائط، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر». قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: قالت أم عبد الله بن حذافة، لعبد الله بن حذافة: ما سمعتُ بابن قط أعق منك؟ أأمنتَ أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقتُه.
قال النووي في شرحه على مسلم: وظاهر الحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم «سلوني» إنما كان غضبا، كما قال في الرواية الأخرى: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني"، وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل لكن وافقهم في جوابها لأنه لا يمكن رد السؤال ولما رآه من حرصهم عليها والله أعلم وأما بروك عمر رضي الله عنه وقوله فإنما فعله أدبا وإكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقة على المسلمين لئلا يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهلكوا، ومعنى كلامه رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واكتفينا به عن السؤال ففيه أبلغ كفاية.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره السؤال الذي يتسبب في التضييق على المسلمين، بحيث يسأل بعضهم عن المسكوت عنه فيحرم لأجل سؤاله، ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم المسلمين جرما، من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته».

وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها».

وأخرج مسلم من حديث أنس قال: " كنا نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء " الحديث. وفي البخاري من حديث ابن عمر: «فكَرِهَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها».

وهذا كله محمول على السؤال عما لا حاجة إليه، أما السؤال عما يحتاج إليه المسلم في دينه فهو فريضة الجاهل، وهذا هو وجه الجمع بين ما سبق من النصوص الآمرة بالسؤال والناهية عنه.

قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: "قوله صلى الله عليه وسلم «سلوني» هذا ليس بمخالف للنهي عن سؤاله فإن هذا المأمور به هو فيما يحتاج إليه وهو موافق لقول الله تعالى: فاسألوا أهل الذكر.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة